الخميس، 31 مارس 2011

متى ظهرت عقيدة الألف سنة؟

أولاً : لمحة تاريخية:
ظهرت فكرة الملك الألفي نتيجة الضغوط الشديدة والعبودية القاسية التى كان يعاني منها الشعب اليهودي تحت نير الاستعمار الروماني ـ والذى بدأ عام 332 ق. م ـ فبدأوا يفسرون نبوات العهد القديم بما يتناسب ومطالبهم الوقتية المادية، فظهرت بعض الكتب التى ألَّفها أشخاص ضالعون فى المعرفة، ولكنهم لم يكونوا مسوقين بالروح القدس؛ مثل: رؤيا عزرا الثاني، وأخنوخ، ورؤيا باروخ، وموسى وغيرها مما كُتِب فى القرن الثاني قبل الميلاد. وضعوا فيها كل تصوراتهم وأحلامهم الجسدية، وهذه الكتابات ما هى إلانوع من الهروب من الضغوط الشديدة التى كانوا يعيشون تحتها، وهروب من مواجهة الواقع وتحمل المسؤولية؛ فنادوا بملكوت أرضي لإسرائيل فيه كل المتع الأرضية، حيث تكون إسرائيل هى عروس الدنيا التى تأكل وتشرب خيرات الأمم، وباقي الأمم يلحسون من تحت قدميها. وقد شاعت هذه الأفكار عند اليهود فى العصور السابقة لمجىء المسيح مباشرة. فمثلاً فى سفر باروخ الثاني وهو كتاب يهودي ظهر فى القرن الأول قبل الميلاد نقرأ هذه الكلمات:
"ثم يأتي المسيا فيخضع كل ما فى العالم، ويجلس على كرسيه، ويبدو الفرح وتظهر الراحة وتأتي وحوش البرية من الأحراش وتخدم الناس، ويلعب الرضيع على سرب الصل ويمد الفطيم يده على جحر الأفعوان فتخرج الأفاعى من جحورها وتقدم له كل ولاء وخضوع تام والأرض تخرج ثمرها مضاعفاً آلاف المرات، وسيكون على كل كرمة ألف غصن، وفى كل غصن ألف عنقود، وفى كل عنقود ألف عنبة، وكل عنبة تنتج ألف كر من الخمر فيفرح الجياع بل يرون عجائب كل يوم".
كل هذه الأشواق الجسدية لا تتفق وروح المسيحية فى شئ، ولكن الضغوط الشديدة أفرزت هذه الأحلام.وهكذا نجد التلاميذ قبل أن يحل عليهم الروح القدس، وهم فى حالة عدم فهم، يسألون المسيح: «يَا رَبُّ هَلْ فِي هَذَا الْوَقْتِ تَرُدُّ الْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟» (أع1 : 6). وجاء شخص آخر للمسيح وقال له: «يَا سَيِّدُ أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي». (لو9 : 57). فقد كان يظن أنه الملك الأرضي الذى سيجعل إسرائيل سيدة الممالك. وكذلك جاءت أم ابنيّ زبدي وطلبت من المسيح أن يجعل ابنيها واحداً عن يمينه والآخر عن يساره فى ملكوته. وعندما صنع المسيح معجزة إشباع الجموع، أراد اليهود أن يختطفوه ليجعلوه ملكاً (يو6 : 15).
والشىء المدهش هو أن بعض آباء الكنيسة قبلوا هذه التعاليم بدون فحـص، وعلى رأسـهم (بابياس) أسـقف هيرابوليس بآسيا الصغرى (130م). ويقول يوسابيوس القيصري، أبو التاريخ الكنسي عن بابياس: "يبدو أنه كان محدود الإدراك جداً كما يتبين من أبحاثه، ومن ضمن أقواله أنه ستكون فترة ألف سنة بعد قيامة الأموات، وأن ملكوت المسيح سوف يؤسَّس على نفس هذه الأرض بكيفية مادية. وأظن أن بابياس وصل إلى هذه الآراء بسبب قصور فهمه للكتابات الرسولية، غير مدرك أن أقوالهم كانت مجازية روحية. وإليه يرجع السبب فى أن كثيرين من آباء الكنيسة من بعده اعتنقوا نفس الآراء مستندين فى ذلك على أقدمية الزمن الذى عاش فيه، مثل إيرينيئوس وغيره ممن نادوا بمثل أرائه". وقد أطلق يوسابيوس على فكرة المُلك الألفي الأرضي إنها (خرافة).
ويقول الأب متى المسكين : ثم جاء إيرينيئوس ونادى بنفس التعليم مستشهداً بأقوال بابياس، كذلك جاء من بعده ميليتو وهيبوليتوس وترتليان، مستندين جميعاً كل واحد على من قبله، مع أن الأساس كله هو كتب الأبوكريفا اليهودية المضللة.
ثانياً : ما هو موقف العهد الجديد من الألف سنة؟
يقول الأنبا غريغوريوس: إن ما ورد فى سفر الرؤيا بخصوص الألف سنة (رؤ20 : 1 ـ 6) لم يتكرر بلفظه أو معناه فى أي موضع آخر من سفر الرؤيا، ولا فى غيره من أسفار العهد القديم أو الجديد، مما يدل على المعنى الخاص لهذا النص المقدس، وعلى أنه ينبغي أن يُفهَم بمفهوم معين، خصوصاً وأن سفر الرؤيا ملئ بالرموز. ثم يضيف: نعم لم يرد فى أقوال المسيح له المجد مرة واحدة أنه تحدث عن الحكم الألفي، ولم يرد شئ من هذا القبيل فى جميع الأناجيل وجميع الرسائل بما فيها رسائل القديس يوحنا نفسه، كاتب سفر الرؤيا .
وأنا أؤكد أن الآية الوحيدة (اليتيمة) التى ورد فيها لفظ الألف سنة جاءت فى سفر رمزي نبوي غامض. فقد كتب يوحنا الرائي سفره حوالي عام 98 م، أيام الإمبراطور الروماني دومتيان، الذى كان يضطهد الكنيسة بعنف، ونفى يوحنا إلى جزيرة بطمس (رؤ1 : 9) منفى المجرمين فى ذلك الوقت، وقد كان فوق التسعين فى ذلك الوقت، وبالرغم من ذلك كان يكسر الأحجار هناك، ويعاني من البرد الشديد ليلاً والحر الشديد نهاراً، ولا يجد قوت الحياة، ومن هناك كتب سفره، وبالتأكيد كان تحت حراسة مشددة، وكل سطر يكتبه كان لابد أن يُقرأ عدة مرات من الرقابة، لذلك كتب بالرموز، فنقرأ عن السفر المختوم، وعن الجراد الذى يشبه الخيل وله شعر كشعر النساء، وعن امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها، والوحش الذى له عشرة قرون ...الخ. وحتى الآيات نفسها التي ورد فيها لفظ (الألف سنة) نجدها مليئة بالرموز، فيقول الرائي: "وَرَأَيْتُ مَلاَكاً نَازِلاً مِنَ السَّمَاءِ مَعَهُ مِفْتَاحُ الْهَاوِيَةِ، وَسِلْسِلَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى يَدِهِ. 2فَقَبَضَ عَلَى التِّنِّينِ، الْحَيَّةِ الْقَدِيمَةِ، الَّذِي هُوَ إِبْلِيسُ وَالشَّيْطَانُ، وَقَيَّدَهُ أَلْفَ سَنَةٍ، 3وَطَرَحَهُ فِي الْهَاوِيَةِ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ لِكَيْ لاَ يُضِلَّ الأُمَمَ فِي مَا بَعْدُ حَتَّى تَتِمَّ الأَلْفُ السَّنَةِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ لاَ بُدَّ أَنْ يُحَلَّ زَمَاناً يَسِيراً" (رؤ20 : 1 ـ 3). وحتى الذين يؤمنون بالملك الألفي الحرفي يقولون عن (المفتاح) و(السلسلة) و(القيد) إنها رموز، فالهاوية ليس لها مفتاح، والشيطان روح لا يمكن ربطه بسلسلة، ولكن عند (الألف سنة) تجدهم يفسرونها بصورة حرفية، أليس هذا تناقضاً فى التفسير؟ هل من المعقول أن نبني عقيدة كبيرة على آية وحيدة غامضة واردة فى سفر رمزي؟
يقول د. توري (R. A. Torry) من العبث أن نفسر نصوصاً كتابية واضحة فى ضوء آية رمزية غامضة، الأجدر بنا أن ندع الواضح الظاهر يفسر الغامض الذى يحتمل الشك والتأويل وليس العكس.
ولكن هذا لا يعني أن نغض الطرف عن هذه الآيات أو نتجاهلها، ولكن سنتناولها فيما بعد بالشرح والتوضيح.
ثالثاً : ما هو موقف الكنيسة الأولى من الألف سنة؟
عندما تكلم بعض آباء الكنيسة دون فحص دقيق للكتب المقدسة عن الملك الألفي الحرفي، تصدى لهم آباء الكنيسة العظماء، وعلى رأسهم العلامة أوريجانوس بحججه القوية، والعلامة ديونيسيوس (248 ـ 265 م)، ويوسابيوس أسقف قيصرية (270 م)، وباسيليوس الكبير (229 ـ 279 م)، وغريغوريوس الكبير (321 ـ 389 م)، القديس جيروم (331ـ 420 م). ثم جاء القديس أغسطينوس (354 ـ 430 م) واستطاع بقوة حجة لا تُقَاوم أن يفندها ويرد على كل من ينادي بها، واعتبرها هرطقة علانية. ويقول الأب متى المسكين : "بهذا يكون القديس أغسطينوس قد انتشل الإيمان المسيحي من لوثة الأبوكـريفا اليهودية المزيفة، ومن محـاولة إسقاط السمو الروحـي المسيحي إلى الأرض، وخـلطه بآمال جسدية هى الصفة الأولى والملازمة للعبادة اليهودية المنحرفة".
وما يؤكد أن فكرة الملك الألفي الحرفي كانت مجرد أوهام وأحلام نتيجة جهل وسطحية بعض آباء القرنين الثالث والرابع، هو أن أقدم وثيقة دينية والتى تحوي عقيدة وعبادة وتنظيم الكنيسة الأولى والتى تسمى "تعاليم الإثني عشر رسولاً" والتى يرجع تاريخها إلى (150 ـ 180م) لا تحوى كلمة واحدة عن المُلك الألفي الحرفي. وجاء فى المادة السادسة عشرة من هذه الوثيقة ما نصه "وعندئذ تظهر علامة الحق أولاً، علامة فتح السماء، ثم صوت البوق، ثم قيامة الموتى، ويأتي المسيح مع جميع القديسين ، وهنا يرى كل من فى العالم رب المجد آتياً على السحاب" ولا توجد أي إشارة إلى حكم المسيح على الأرض لمدة ألف سنة، ولا إشارة إلى قيامة الأبرار قبل الأشرار بألف سنة، ولا إلى اختطاف سري.
وعندما نعود إلى قانون الإيمان الرسولي نجده يقول فى صياغة واضحة "وأيضاً يأتي فى مجده ليدين الأحياء والأموات". وفى قانون الإيمان النيقوي ـ الذى وُضِع عام 325 م ـ الذى يقبله جميع المسيحيين فى الشرق والغرب، تأتي الصياغة واضحة "ويأتي فى مجيئه الثاني ليدين الأحياء والأموات".
وعندما بدأت هذه الأفكار تطل برأسها على الكنيسة، عقدت الكنيسة مجمعها المسكوني الثاني فى القسطنطينية عام (381 م) وأصدرت حكماً نهائياً بلعن البدع التى تفشت فى ذلك العصر عامة، وبدعة "الملك الألفي" الحرفي التى كان يتزعمها أبولوناريوس فى ذلك الوقت، وأضافت إلى قانون الإيمان عبارة "الذى ليس لملكه انقضاء "بعد عبارة "وسيأتي فى مجده ليدين الأحياء والأموات". ثم عادت فى المجمع المسكوني الثالث فى أفسس عام (431 م) وشجبت هذه البدعة واصفة إياها بأنها أوهام أحلام وأساطير خرافية.
وظلت هذه الفكرة نائمة إلى أن عادت للظهور مرة أخرى فى القرن السادس عشرعلى يد جماعة (الأنابابتستس) (Anabaptists). ثم ازدهرت أكثر وترعرعت بداية من القرن الثامن عشر، بالتزامن مع الحركة الصهيونية، وأصبحت هى العقيدة الأساسية لـ (شهود يهوه) و(الأدفنتست) وبعض الجماعات الأخرى. ومع سيطرة الصهيونية على وسائل الإعلام والدعاية فى أمريكا ومعظم الدول الغربية، ونتيجة دعمها السخي لكل من يروجون هذه الأفكار انتشرت كثيراً فى هذه الأيام، فهناك من يدعمون بسخاء طباعة الكتب والمجلات وشرائط الفيديو وال C D التي تقدم هذا الفكر وتوزع بالمجان أو باسعار رمزية، وكذلك لأنها لم تجد من يتصدى لها بالفكر الكتابي المستنير، قبلها عدد كبير من البسطاء.

الأربعاء، 9 يونيو 2010

المجىء الثاني للمسيح ونهاية التاريخ

الفصل الأول
المجىء الثاني للمسيح ونهاية التاريخ
يسود الكنيسة فى مصر اليوم مدرستان رئيسيتان فى تفسير مجىء المسيح الثاني ونهاية التاريخ وهما:
1 ـ مدرسة التفسير الحرفي:
وهى المدرسة التى يؤمن بها أقلية قليلة جداً من المسيحيين وهم الإخوة البليموث ، والمرحبين وبعض الكنائس الرسولية . وبعض المذاهب مثل: شهود يهوه ، والأدفنتست "السبتيين" ، وهم يؤمنون بحرفية الألف سنة ؛ أى ألف سنة باليوم والساعة يملك فيها المسيح على الأرض، وأن مجىء المسيح لاختطاف كنيسته يسبق هذه الألف سنة. فمجىء المسيح الثاني ونهاية التاريخ بالنسبة لهم يسير وفق برنامج محدد يبدأ بالاختطاف. فيقول الأخ برسوم ميخائيل: "بعد أن يكمل عدد المعينين للحياة الأبدية يكون قد انتهى عهد النعمة، حينئذ ينزل المسيح من بيت الآب تَحُف به الملائكة ورؤساؤهم. وفى الحال يرسل من الفردوس فى السماء الثالثة كل أرواح أبرار العهدين إلى الأرض. وبفعل قوة الله وحكمته تلبس كل روح جسدها مقاماً متغيراً إلى صورة روحانية سماوية مجيدة أبدية. ويكون المسيح قد وصل فى ذات الوقت إلى عالمنا هذا، فى طبقة الهواء. وفى نفس اللحظة يكون قد تم تغيير أجساد جميع المسيحيين الحقيقيين الأحياء إلى نفس الصورة. وبهذه الأجساد المجيدة يركب السحاب الخارجون من قبورهم والخارجون من بيوتهم". ويضيف: "إن نزول المسيح إلى طبقات الهواء واختطاف المؤمنين إليه فى السحاب راقدين وأحياء سيتم بكيفية سرية، أى غير مسموعة وغير منظورة لأهل العالم" . وقيامة الأموات المؤمنين لحظة الاختطاف بحسب هذا الفكر هى "القيامة الأولى".
بعد الاختطاف تبدأ الضيقة العظيمة لمدة سبع سنين بحسب (دا9 : 2) من وجهة نظرهم، فيها يصب الله جامات غضبه على الأرض وما فيها. وسيؤمن البعض من اليهود والأمم بالمسيح فى زمن الضيقة العظيمة، والذين سيموتون منهم فى ذلك الوقت سيُعمِّر بهم الفردوس مرة أخرى (رو6 : 9 - 11) بعد أن يكون قد خلا بقيام الراقدين فى العهدين واختطافهم مع المؤمنين الأحياء إلى بيت الآب. أما الذين يؤمنون ويعيشون فترة الضيقة سيكونون هم رعايا الملك الألفي.
فى نهاية السبع سنين سيظهر المؤمنون أمام كرسي المسيح لأجل المجازاة (2كو5 : 10) وهو منظر غير مرئي لسكان الأرض. ثم يظهر المسيح ومعه قديسوه جميعاً للدينونة والملك. وسينزل على جبل الزيتون، ويجلس على كرسي مجده (زك 14 : 4، أع 1 : 11) . وسيدين الوحش والنبي الكذاب ويطرحهما فى بحيرة النار، ثم يقيد الشيطان ألف سنة (رؤ20 : 1 ـ 6). ويقول هنري ثيسن: "عندما يأتي المسيح سينجي إسرائيل أولاً من أعدائه الأرضيين" (إر30 : 7، زك14 : 1ـ 3). ولكنه لن يتوقف عند هذه النجاة، بل يعود فيجمع ثانية كل إسرائيل ويُوحِّد بيت إسرائيل وبيت يهوذا (إش11 : 11 ـ 14، 64 : 14، إر31 : 35 ـ 37) ثم يخلصهم ويصنع معهم عهداً جديداً (إش66 : 8، إر31 : 31 ـ 34، زك 12 : 10) . ويضيف: "ثم يعود الهيكل وتعود إليه عبادته الطقسية (حز37 : 26 ـ 28، زك14 : 16 , 17). وتُقام دولة إسرائيل فى فلسطين، وتُقسَّم فلسطين بين الأسباط (حز47 , 48)، لتصبح ملكاً لإسرائيل إلى الأبد" (حز34 : 28، 37 : 35) .
أما عن أوصاف المُلك الألفي فهو يتكون من إخوة الملك الأصاغر، المشار إليهم فى (مت 24 : 22) بالمختارين الهاربين، والمحروسين من الضلال فى عدد 24، والمجموعين من الشتات فى عدد 31. والأمم الأبرار الذين قبلوا الهاربين وقبلوا بشارتهم (مت25 : 31 ـ 40). علاوة على هؤلاء الذين سيكونون أمامه على الأرض، سيكون حوله فى المحيط الجوي الكنيسة التى سبق واختطفها (حز37 : 27، رؤ 7 : 15).
وسيكون المُلك مُلك بر وسلام، ولكن قد يخطئ أحد نسل هؤلاء الأبرار فى مدة المُلك، ولكن لن تُحسَب عليه الخطية إلا متى بلغ سن المسئولية، وهى فى المُلك الألفي سن المائة (إش65 : 20) لأن الإنسان سيعيش طيلة الألف سنة. ومن يخطئ يموت فى الحال وترسل روحه إلى هاوية العذاب، ويقوم بعد الملك الألفي مع غيره من الأشرار ليدانوا ويطرحوا فى بحيرة النار (رؤ20: 11 ـ 15). وسيكون نور القمر كنور الشمس، ونور الشمس يكون سبعة أضعاف (إش30 : 26). وفى تلك الأيام ستقطر الجبال عصيراً والتلال تفيض لبناً (يؤ3 : 18). ولا يمرض ساكن (إش23 : 24). ويسكن الذئب مع الخروف، ويُربَض النمر مع الجدي، وصبي صغير يسوقها، ويلعب الرضيع على سرب الصل، ويمد الفطيم يده على جحر الأفعوان (إش11 : 6 ـ 9) .
وقرب نهاية الألف سنة سيُحَل الشيطان زماناً يسيراً (إش24 : 21، رؤ20 : 1ـ 3). ونتيجة لذلك يحدث ارتداد عظيم ويقوم الذين أضلهم إبليس ليحاربوا المدينة المقدسة ومعسكر القديسين (رؤ20 : 7 ـ 10) لكن يتدخل الله ويُسقِط ناراً من السماء لتأكل أعداء قديسيه ويؤخذ إبليس نفسه ويُطرح فى بحيرة النار والكبريت، حيث الوحش والنبي الكذاب وسيعذَبون نهاراً وليلاً إلى أبد الآبدين.
ثم تأتي بعد ذلك القيامة العامة للأشرار حيث دينونة العرش الأبيض العظيم، وبنهاية الدينونة تزول السموات بضجيج، وتنحل العناصر محترقة، وتحترق الأرض والمصنوعات التى فيها (2بط3 : 7 ـ 12) ويأتي الملكوت النهائي، وتكون هناك سماء جديدة وأرض جديدة، لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضتا (رؤ21 : 1 ـ 3).
تُرى متى بدأت هذه العقيدة؟ وهل علَّم المسيح بأنه سيملك ألف سنة؟ وما هو موقف الكنيسة الأولى منها؟ ولماذا انتشرت بقوة فى المائة سنة الأخيرة؟ وما هو الفكر الكتابي فى المجىء الثاني؟
هذه الأسئلة وغيرها سنُجيب عليها فى الصفحات القادمة.

2 ـ مدرسة التفسير الروحي:
وهى التى تنادي بها الكنيسة الارثوذكسية ، والكنيسة الكاثوليكية ، والكنيسة الإنجيلية المشيخية، والكنيسة الأسقفية، واللوثرية، ونهضة القداسة، والمثال المسيحي ، وكنيسة الله ، وبعض الكنائس المعمدانية وغيرهم من المذاهب الإنجيلية الأخرى . وخلاصتها أن الله يحب جميع الأمم بلا تمييز بين أمة وأخرى، لذلك عندما اختار الله إسرائيل كان بهدف أن يبارك بهم كل الأمم، ولكنهم فشلوا فى أداء رسالتهم، وخانوا العهد، وتمردوا على الله. وعندما جاء المسيح لم يقبلوه؛ لذلك انتهت رسالتهم كأمة، فقد قال لهم المسيح: "هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَاباً!" (مت23 : 38). وأصبحت كل المواعيد والبركات التى كانت لإسرائيل من حق الكنيسة التى هى إسرائيل الله (غلا6 : 16)، نسل إبراهيم الروحي "فَإِنْ كُنْتُمْ لِلْمَسِيحِ فَأَنْتُمْ إِذاً نَسْلُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَسَبَ الْمَوْعِدِ وَرَثَةٌ" (غلا3 : 29).
أما مُلك المسيح فقد بدأ بمعناه الخاص ( أما معناه العام فسوف نوضحه فى الفصل الثالث عند الحديث عن الألف سنة كتابيآ ) منذ صعوده إلى السماء، ولا يزال هذا المُلك ثابتاً ويمتد فى العالم "إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ، 21فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ، وَكُلِّ اسْمٍ يُسَمَّى لَيْسَ فِي هَذَا الدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضاً، 22وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْساً فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ" (أف1 : 20 ـ 22). وأن ملكوت المسيح روحي لا جسدي "لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلاً وَشُرْباً بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ" (رو14: 17). «وَلاَ يَقُولُونَ: هُوَذَا هَهُنَا أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ لأَنْ هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ». (لو17 : 21). "مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا الْعَالَمِ لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ" (يو18 : 36). فأي مُلك يعادل ملكه الروحي الذى فيه يملك ويقود شعبه؟ وأي سلام أفضل من الذي يتمتع به أولئك الذين تبرروا بدمه (رو5 : 1). فملكوت المسيح قائم الآن ، وهو يملك على قلوب أبنائه المولودين ثانية، وهو يملك على كنيسته، لذلك يقول "الَّذِي انْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ وَنَقَلَنَا الَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ" (كو1 : 13). والمسيح لا ينتظر حتى مجيئه الثاني لكي يُقيّد الشيطان، فقد انتصر عليه انتصاراً حاسماً وأبدياً . لقد أباد بالموت ذاك الذى له سلطان الموت أي إبليس (عب2 : 14). ويقول الرسول بولس: "إِذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ اشْهَرَهُمْ جِهَاراً، ظَافِراً بِهِمْ فِيهِ" (كو2 : 15). أما الألف سنة فتعبير مجازي يشير إلى المدة التى يملك فيها المسيح روحياً على القلوب، من وقت مجيئه بالجسد حتى مجيئه الثاني. وفى نهايتها يُحل الشيطان زماناً يسيراً ويحاول أن يُضل لو أمكن المختارين أيضاً، ويظهر الأنبياء الكذبة والمسحاء الكذبة (مت24 : 21 ـ 24) وهنا تنزل نار من السماء لتأكلهم ويُطرح إبليس وأعوانه فى بحيرة النار والكبريت، وتبدأ القيامة العامة والدينونة.
أما عن حوادث مجىء المسيح فلا توجد سوى قيامة واحدة عامة تحدث فى نهاية العالم "تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ" (يو5 : 29). ويقول دانيال: "وَكَثِيرُونَ مِنَ الرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ الأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ هَؤُلاَءِ إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ وَهَؤُلاَءِ إِلَى الْعَارِ لِلاِزْدِرَاءِ الأَبَدِيِّ" (دا12 : 2).
أما تعبير القيامة الأولى فالمقصود به القيامة من موت الخطية ؛ فهى قيامة روحية "وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ... وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ..." (أف2 : 5 ـ 6). ويقول بولس: «اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ».(أف5 : 14). وعندما يقوم الموتى من قبور خطاياهم فإنهم ينتقلون من سلطان الظلمة إلى ملكوت ابن محبته (كو1 : 13) ولا يسود عليهم الموت الثاني (رؤ20 : 6) الذى هو الطرح فى البحيرة المتقدة بنار وكبريت (رؤ21 : 8) عند القيامة العامة أو الثانية التى تتم فى نهاية الأزمنة للأبرار والأشرار معاً.
وكما أنه لا توجد سوى قيامة واحدة عامة للأبرار والأشرار، كذلك لا توجد سوى دينونة واحدة بعد القيامة هى دينونة العرش الأبيض العظيم. ومن هذا لا نرى أكثر من مرحلة لمجىء المسيح كما يقول الحرفيون، بل مرة واحدة نهائية ولا يصاحبها الأحداث الدراماتيكية التى يرسمها الحرفيون. وبعد الدينونة يُزَف المؤمنون للعريس السماوي ربنا يسوع المسيح . "لأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ." (2كو11 : 2) حيث السماء الجديدة والأرض الجديدة.

الجمعة، 4 يونيو 2010

مرحبآ


مرحبآ بك أيها العزيز لتصفح ومناقشة الآراء المطروحة فى هذه المدونة لغرض الحوار العلمى الأكاديمى ونحن نرحب بالمناقشات الجادة حول مضمون هذا البحث وعنوانه ( الملك الألفى ) وهى دراسة لاهوتية لهذا الموضوع تم نشرها بصورة أولية عام 2002 وهى تحتوى على دراسات عن مجىء المسيح ونهاية التاريخ - متى ظهرت عقيدة الألف سنة - الألف سنة كتابيآ - أسرائيل والكنيسة - الهيكل تاريخيآ ونبويآ - تفسير بعض النبوات الصعبة _ مجىء المسيح والحوادث الملازمة له - أسئلة هامة للتدبيريين.
والبحث مزيل بالمراجع التى أستخدمت لأخراج هذا البحث الأكاديمى للنور.
ويقوم بالأشراف على مناقشة البحث أحد أعضاء مجلس شيوخ كلية كامبردج للاهوت بأوهايو - الولاياتالمتحدة الأمريكية فمرحبآ بك مرة أخرى
القس عزت شاكر